مجتمع النحل من أنشط المجتمعات ، إن لم يكن أنشطها علي الاطلاق .. يعمل أفراده فى هدوء وإخلاص .. كل فرد فيه يعلم واجبه تماما ، فيؤديه خير أداء بلا خوف من حال أو سلطان .. فليس فى مجتمع النحل جهاز للتنظيم والرقابة .. فكل فرد يعمل بفطرته التى فطره الله سبحانه عليها .. فلا جدال ولا مشاحنات ولا صراعات .. كل يعمل لصالح الجماعة .. ولذلك ظهرت خلية النحل وكأنها جسد واحد فى تماسكه وترابطه .. وكل فرد فى الخلية يعمل ما يشبه المستحيل لإنقاذ الخلية مما قد يقضى علي حياتها أو يهدد أمنها .
ولقد أثارت مثالية النحل فى تصرفاته هذه همم الكثير من الباحثين لمعرفة المزيد : من هؤلاء الباحثين : العالم ( ميكولا هايداك ) الذى قام برفع أقراص الحضنة من الخلية .. وبالتالى لم يعد بالخلية يرقات .. ثم وضع فيها محلا صغيرا فقس حديثا .. ولم يكن بالخلية شغالات للحراسة أو لإفراز الشمع أو لجمع الرحيق .. وأخذ ( ميكولا هايداك) ينتظر .. ويالعجب ما رأى !! لقد ضبطت الأفراد الصغيرة نفسها ، وزادت من معدل نموها، حتى قامت مجموعة من الأفراد بعمر ثلاثة أيام بجولات داخل الخلية لتنظيفها ، وقامت مجموعة ثانية فى نفس العمر ببناء العيون السداسية .. و هذه أعمال لا يقوم بها إلا أفراد عمرها ستة عشر يوما.. بينما قامت مجموعة بعمر أربعة أيام بجمع الرحيق وحبوب اللقاح .. وهكذا وخلال أسبوع واحد بدأت الخلية الفتية في أداء وظيفتها المعتادة .
وبعد أن نشر ( هايداك ) أبحاثه واكتشافاته .. تساءل العلماء : إذا كان بإمكان النحل الصغير أن ينمو سريعا ليتخطى ما يواجهه من صعاب ، فهل فى إمكان النحل العجوز أن يعيد شبابه لنفس الغرض ؟
هذا ما حاولت اثباته السيدة ( فاسيليا موسكو لييفك ) من يوغسلافيا .. حيث قامت بوضع ٥٠٣ نحلة من الشغالات التى تجمع الرحيق عند عمر ٢٨ يوما ، وقد جفت لديها غدد إفراز الغذاء الملكى .. وضعتها فى خلية بها قرص حضنة منفصل من ملكة أخرى .. وبالطبع ، لم يكن أمام هذه المجموعة الهرمة من النحل إلا أحد خيارين :
- إما أن تقوم بإفراز الغذاء الملكى لهذه اليرقات وقد جفت لديها غدد الغذاء الملكى .
- وإما أن تترك اليرقات تموت جوعا .
ومرت أيام دون أن حدث شيء.. وفى أحد الأيام لاحظت السيدة ( فاسيليا ) أن إحدى الشغالات تنحنى فوق إحدى العيون .. فنظرت السيدة بإمعان لتري عجبا.. لقد رأت هذه الشغالة العجوز تفرز قطرة لامعة من الغذاء فى فم اليرقة الحديثة الفقس !! .. وبسرعة قامت الباحثة بفحص غدد هذه الشغالات تحت المجهر لتجد الدليل القاطع .. فقد انتفخت تلك الغدد الجافة وامتلأت بالغذاء الملكى .. وهكذا حدثت المعجزة ، وتجدد الشباب عند شيوخ النحل !!
وكل خلية من خلايا النحل تعيش مستقلة بنفسها.. يعرف كل فرد فيها بقية الأفراد.. ومهما سرحت النحلة بعيدا عن خليتها – قد تسرح النحلة بعيدا عن الخلية ١١ كيلو مترات – فإنها تعود إليها .
لقد فطر الله سبحانه وتعالى النحل علي حياة اجتاعية ، في خلايا متمايزة .. لا يمكن أن يختلط أفراد خلية بأفراد خلية أخرى .. فلكل مجموعة صفات خاصة تختلف عن صفات غيرها.. تماما كما تختلف بصمات أصابع الفرد الواحد عن بقية بصمات أصابع الناس أجمع .
ولكل مجموعة من النحل رائحة خاصة تميزها عن غيرها.. ولقد وهب الله سبحانه وتعالى النحلة من حاسة الشم ما تستطيع به أن تميز الرائحة الخاصة بأفراد مجموعتها .. ويمكن أن نطلق علي هذه الرائحة ( كلمة السر ) .. التى لو أخطأتها النحلة وضلت الطريق لظلت شريدة لا يقبلها أى مجتمع اخر ولحكم عليها بالفناء ..
ويواصل العلماء دراسة سلوك النحل من هذه الناحية ليجدوا أن لكل مجموعة ـ أو خلية – رائحة مميزة.. هذه الرائحة تفرزها النحلة من غدة خاصة فى مؤخرة بطنها تسمى ( غدة ناسانوف ) .. ويقف العقل حائرا أمام قدره الله سبحانه وتعالى وإبداعه إذا علم أن خلية النحل الواحدة عندما يزداد عددها ، وكان لزاما أن ينفصل مجموعة منها لتكوين خلية جديدة – وهذا ما يعرف باسم التطريد – فإن المجموعة الجديدة المنفصلة عن الخلية الأم تتفق علي إفراز رائحة خاصة مميزة لها تختلف تماما عن الرائحة الأولى للخلية الأم !! أليس هذا إلهاما من الله سبحانه وتعالى ؟!!
“ذلكم الله ربكم ، لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه ، وهو علي كل شيء وكيل. لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير ” الأنعام آية ١٠٢ ، ١٠٣ .