لقد كرم الله سبحانه وتعالى النحل أجمل تكريم.. وبلغ هذا التكريم مداه حين خصص له سورة فى القران الكريم عرفت باسم ( سورة النحل ) . ومجتمع النحل من أنشط المجتمعات .. إن لم يكن أنشطها علي الاطلاق .. تقاسم أفراده العمل .. فكل يؤدى واجبه بإتقان وإخلاص .. لا يسمح أفراد هذا المجتمع أن يعيش بينهم كسول .. فإذا تكاسل أحدهم وصار عبئا علي بقية أفراد الخلية كان مصيره الطرد والتشرد.. لذلك ينصح أحد الحكماء تلاميذه فيقول : كونوا كالنحل فى الخلايا .. قالوا : وكيف النحل فى الخلايا ؟ قال : إنها لا تترك عندها بطالا إلا نفته وأبعدته وأقصته عن الخلية، لأنه يضيق المكان ، ويفنى العسل ، ويعلم النشيط الكسل .
ليست خلية النحل مجموعة من الأفراد لكل فرد فيها عمل مستقل فقط .. وإنما هذه الخلية بمثابة جسم نابض بالحياة ، ترابطت أعضاؤه ترابطا منظما وثيقا .. فاذا ما أصاب الخلية جرح أو نزل بها ما يهدد أمنها تألمت وحزنت ..
وبدافع حب العيش والبقاء، وحفاظا علي استتباب النظام داخل الخلية ، يقوم أفرادها بإصلاح ماأصابهم حتى يلتئم الجرح، ويزول ما يبدد الأمن والاستقرار .
إن مجتمع النحل لا يعرف اليأس ـ كما سنعرف أثناء عرضنا إن شاء الله تعالى فإذا لزم الأمر كان فى امكان النحلة العجوز المسنة أن تعود شابة نشيطة تضع البيض وتفرض سيطرتها على الخلية .. وباختصار شديد يمكن القول:إن كل فرد في الخلية يعمل ما يشبه المستحيل للمحافظة علي استقرار وأمن الخلية .. وكل خلية تمثل فى حد ذاتها مملكة ذات نظام عجيب وقوانين دقيقة ، لا يملك المرء إذا ما شاهدها إلا أن يقول : سبحان الله !!
وكل خلية تتكون من : ملكة واحدة .. والاف من الشغالات .. وبضع مئات من الذكور .. يعيش الجميع فى مسكن واحد يحتوى علي كثير من الأقراص الشمعية ..
الملكة .. اليعسوب : (Queen) :
يوجد بكل خلية ملكة واحدة فقط ، وظيفتها الأساسية وضع البيض .. ووجود الملكة فى الخلية يشيع جوا من الأمن والاستقرار بين باقي أفرادها ، فيؤدى كل فرد عمله فى همة ونشاط .
وفى عام 1962 وجد ( تبلر ) أن الملكة تفرز مادة خاصة عن طريق غددها الفكية سماها (مادة الملكة ) ، ثبت من تحليلها أنها عبارة عن حمض دهنى .. تنتشر هذه المادة علي جسم الملكة فتلعقها بعض الشغالات التى تقوم بتنظيف جسم الملكة ، وتتبادلها مع بقية شغالات الخلية ، وبذلك يشعر الجميع بوجود الملكة في الخلية .. فيشيع الأمن ، وينشط الجميع .
وحين تتجول الملكة بين الأقراص باحثة عن العيون الخالية لتضع فيها البيض ، تحيطها بعض الشغالات القائمة علي خدمتها، فتخلي لها الطريق فى احترام وإكبار .. تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم.. تمد الملكة رأسها فى العين السداسية لتتأكد من نظافتها، ثم تسحب رأسها لتمد بطنها وتضع البيضة فى مكان تأكدت من نظافته .
والملكة أنثى كاملة التكوين .. تتميز عن باقى الأفراد بطول البطن ، وكبر منطقة الصدر ، وقصر الأجنحة نسبيا. ويختلف لونها باختلاف سلالتها .
وللملكة الة لسع (جمة) مقوسة لا تستخدمها إلا فى مهاجمة ملكة أخرى أرادت منافستها علي عرشها.. ولا تموت الملكة ولا تفقد الة اللسع فى هذه العملية كما هو الحال بالنسبة للشغالات .
ومتوسط عمر الملكة ٣ – 4 سنوات، وقد يصل إلى سبع سنوات وتوجد الملكة عادة علي أقراص الحضنة محاطة بمجموعة من الشغالات التى تقوم بتغذيتها بالغذاء الملكى وتنظيف جسمها ولعقه ، والعناية بها ..
ولا تخرج الملكة من الخلية إلا عند التلقيح والتزاوج .. وإذا كبرت فلا تخرج إلا علي رأس طرد من النحل لبناء خلية جديدة ..
ولا تتزاوج الملكة مطلقا داخل الخلية .. وكذا لا يمكن أن يتم التزاوج داخل حيز مغلق مهما كان واسعا .. وإنما يتم التزاوج أثناء طيرانها فى الهواء الطلق ..
فإذا خرجت الملكة طائرة للتلقيح — وهو ما يعرف بطيران الزفاف — تبعها سرب من الذكور .. كل ذكر يريد اللحاق بها .. حتى ينجح أحدها ـ وهو أقواها – فى اللحاق بها وتلقيحها .. وبعد أن تتم عملية التلقيح أثناء الطيران في الهواء ، ينفصل عضو الذكر التناسل فى مؤخرة الملكة ، فيلقى الذكر حتفه ويموت .. وتعود الملكة إلى خليتها وعضو الذكر لا زال فى مؤخرتها ، مما يتيح للسائل المنوى وقتا كافيا أن ينتقل الى قابلة الملكة المنوية .. وفور وصول الملكة إلى الخلية تقوم الشغالات المكلفة خدمة الملكة بتنظيفها وإزالة عضو الذكر التناسلى من مؤخرتها.. وتتزاوج الملكة أو تلقح مرة واحدة طول حياتها ، وفى أحوال قليلة قد تتلقح مرة أخرى .. وتحتفظ الملكة بالحيوانات المنوية للذكر فى قابلتها المنوية .. وتتحكم فى إخراج هذه الحيوانات من قابلتها المنوية لتلقيح البيض حسب الحاجة ..
وتضع الملكة نوعين من البيض :
ـ بيض ملقح ويتراوح بين 1000 – 2000 بيضة .. ومنه تخرج الملكات إذا وضعته فى بيوت الملكات .. أما إذا وضعته فى العيون السداسية الصغيرة فى الأقراص الشمعية خرج منه الشغالات ..
– بيض غير ملقح .. ومنه يخرج الذكور .. ويوضع في عيون سداسية أكثر اتساعا من عيون الشغالات ..
تضع الملكة البيض فى العيون ملتصقا بمادة غروية عموديا علي قاع الخلية السداسية فى اليوم الأول ، وفى اليوم الثانى يميل البيض إلى أسفل بزاوية 45 .. ولا يتعدى طول البيضة الواحدة الملليمتر الواحد.. ووزنها حوالى 0.1 مليجرام ..
وفى اليوم الثالث .. وقبل أن يفقس البيض مباشرة – تقوم الشغالات الحاضنة بإضافة نقط من الغذاء الملكى إلى البيض ، حتى إذا ما خرجت اليرقة وجدت الغذاء اللازم .. وفى الطور اليرقي تتغذى يرقات الذكور والشغالات علي الغذاء الملكى لمدة ثلاثة أيام فقط ، ثم تكمل غذاءها بخبز النحل ، وهو عبارة عن حبوب اللقاح مخلوطة بالعسل .. أما يرقات الملكات فإنها تتغذى بالغذاء الملكى طيلة الطور اليرقي ..
والجدول الآتي يوضح متوسط عدد الأيام للأطوار المختلفة لأفراد الخلية منذ وضع البيض حتى خروج الحشرة الكاملة :